في زمن مضى،كان ملايين العرب ،يترقبون بشغف موعد خطابات الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ،وكثيرون كانوا يحرصون على شراء بطاريات جديدة لاجهزة المذياع التي بحوزتهم لكي لا تفوتهم كلمة في خطابات الزعيم!وفي تلك الفترة ايضا ،كانت وكالات الانباء والمحطات الاذاعية والصحف العربية والدولية تنتظر يوم الجمعة ،لبث ونشر ما يتضمنه المقال الاسبوعي "بصراحة" للصحفي والكاتب الاشهر في العالم العربي الاستاذ محمد حسنين هيكل ، الذي كان يؤشر على مواقف وتوجهات السياسة المصرية !.
لم يخلق عبد الناصر مصر ،فهي دولة ضاربة في اعماق التاريخ،وتشكل ثقلا اساسيا في المنطقة سياسيا وعسكريا وثقافيا ،لكن ما فعله ناصر انه أدرك بما امتلكه من مؤهلات الزعامة،اهمية دور مصر"أم الدنيا " وامكاناتها ، ووظفها في قيادة الامة العربية،على طريق التحرر والوحدة،وكذلك دعم حركات التحرر في افريقيا واسيا !وقبل ان يستفز هذا الكلام بعض المناهضين والمنتقدين للحقبة الناصرية ،أقول ان هناك أخطاء ارتكبها نظام عبد الناصر ، على صعيد السياسة الخارجية والداخلية والصراع العربي الاسرائيلي ، يقر بها الناصريون والمدافعون عن سياسة الزعيم الراحل،وفي مقدمتهم الاستاذ هيكل ،فناصر كان بشرا له اجتهاداته ،لكنه نجح في شحن روح التضامن القومي على الصعيد الشعبي ،فضلا عن تحقيق انجازات داخلية لا تنكر!.
تغير الزمن واختلف المشهد الى درجة التناقض،ولا يمكن مقارنة اليوم بحقبة رفع خلالها غالبية المواطنين العرب في مختلف بلدانهم رايات سوداء واعلنوا الحداد بعد وفاة الزعيم ، اما اليوم فثمة مفارقات عجيبة ،فليس هناك ملايين تترقب خطابات رئيس مصر رغم طغيان وسائل الاعلام المسموعة والمرئية الارضية والفضائية والصحفية، وعبر شبكة الانترنت ،بل ان بعض من يتابعون خطابات وتصريحات الرئيس يشعرون بالاحباط والخذلان، وجاءت "الهولوكست" التي ترتكبها اسرائيل ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة ،لتزيد احراج السياسة المصرية ،حيث تبدو مواقف القاهرة مهزوزة ومرتبكة كمن "اخذته العزة بالاثم"!.
ومن سوء حظ النظام في القاهرة ان موقع مصر الجغرافي ،يكشف المزيد من الضعف في الارادة السياسية للنظام وقصور النظرة الاستراتيجية للامن القومي المصري،فلا يعقل ان تتمسك مصر النظام باغلاق معبر رفح الذي هو شريان الحياة لشعب غزة ، وهو يتعرض لعدوان همجي يحرق الاخضر واليابس ، اما وسائل الاعلام الرسمية فهي تدافع عن هذه السياسة ،وهو موقف يناقض مشاعر الشعب المصري ، التي تدين مشاركة حكومتهم بالحصار على غزة ، وتعبر عن ذلك التظاهرات الحاشدة التي تجوب مصر ،وحال النظام في مصر كمن ركب على شجرة يصعب النزول عنها !لم يكن احد يتخيل ان يكون رئيس مصر وسفاراتها في بلدان عربية واسلامية واجنبية ،هدفا لشعارات وتظاهرات منددة بموقف القاهرة ،الرافض لفتح معبر رفح،فيما تواصل اسرائيل ارتكاب المذابح في غزة، التي تطال الاطفال والشيوخ والنساء والرجال ،حتى القانون الدولي واتفاقية جنيف توجب على مصر فتح المعبر في حالة الحرب !
وأكثر من ذلك ،فان حكومة القاهرة تلوم الضحية وتحمل حركة حماس مسؤولية ما يجري !هل بعقل هذا؟وهل يعقل ان تذهب مصر للاستنجاد بتركيا لكي تتوسط بين العرب وبين الفلسطينيين؟ من المؤسف ان النظام المصري يفوت فرصة تاريخية لتسجيل موقف مشرف في نصرة الشعب الفلسطيني،والوقوف بقوة ضد عدوان بربري يتعرض له على حدود مصر!.
أحمد ذيبان Theban100@ hotmail.com
5/1/200